في الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وفي ظل تواطؤ عربي أمريكي ودولي. وفي أعقاب حصار كارثي مشفوع بحصار مالي دولي.. وإغلاق لكل المعابر.. أنهك البشر وجفف الزرع والضرع واستنفد كل أسباب الحياة حتى أتى على كل حبة دواء.. أو شربة ماء أو كسرة خبر.. أو شعلة ضوء.. حصار بلغ حد الحرمان من أداء الشعائر والعبادات.. ومن الكتاب والدفتر وقلم الرصاص.. (بحسب تقرير دوناتيلا روفيرا ، الباحثة في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية بمنظمة العفو الدولية) حصار قذف بأكثر من نصف سكان القطاع إلى ما دون خط الفقر.. وعطل أكثر من (45%) من القوى العاملة،، حصار اضطر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) إلى تعليق عملياتها لسبعمائة وخمسين ألف لاجئ فلسطيني في قطاع غزة بسبب نفاذ مخزونها (الخميس 18 ـ 12 ـ 2008).
حصار وصفه "ريتشارد فولك" (المقرًّر الخاص المعني بوضع حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة ـ الأمم المتحدة) في تقريره في 13( ـ 12 ـ )2008 بأنه "جريمة حرب".
إن كارثية الحصار استنفرت "منظمة التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب" (المسجلة دولياً والعضوفي المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة.. وترأسها المحامية مي الخنساء ، وهي لبنانية ناشطة في مجال حقوق الإنسان) العديد من الحقوقيين والقانونيين من بلدان عدة (من بينهم ثلاثة محامين إسبان ، وعدد من المحامين يمثلون أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية) لرفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ، ضد الحكومة الصهيونية وكبار قادتها السياسيين والعسكريين ، بتهمة "ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية الناجمة عن استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة" وسارع هؤلاء إلى المطالبة بإصدار مذكرات توقيف بحق المدعى عليهم و"وقف حمام الدم في غزة". (وذلك يوم الأربعاء 10 ـ 12 ـ .8002. وفي صدارة المدعى عليهم رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت ، ووزير حربه إيهود باراك ، ونائب وزير الحرب ماتان فلنائي ، ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر ، ورئيس الأركان غابي أشكنازي) كذلك الأمر فقد استفزت هذه الجريمة العديد من "النشطاء الغربيين" لإطلاق مبادرة "انتفاضة السفن لكسر الحصار".. فوصلت بعد طول إبحار سفن: الحرية.. وغزة الحرة.. والأمل.. والكرامة.. والمروة.. تحمل رسل الإنسانية قبل الغذاء والدواء.. وحركت خيرية البشرية.
حصار تسابق فيه الشقيق والصديق قبل العدو.. ونفذ على أعيننا - كلنا لا أستثني أحداً - بجبننا وتخاذلنا تارة.. وبصمتنا وتواطؤنا وتحريضنا وإنكارنا تارة أخرى..حصار لم يفلح في تحريك الموات الرسمي العربي،، ورغم ذلك تواصلت "انتفاضة السفن" بل أخذت تشهد زخماً واستنفاراً لمبادرات عربية وإسلامية أحرجت النظام العربي.. وحين لم يعد بوسع هذا النظام الاستمرار في الصمت والمشاركة في التعذيب الجماعي ضد مليون ونصف من بني جلدتنا.. سعى لوأد هذا الزخم.. وتسفيه نشطائها حتى أن رأس النظام الرسمي الفلسطيني وصف حركة السفن لكسر الحصار بأنها"لعبة سخيفة".. و"دعاية كاذبة ورخيصة ومزاودة لا أول لها ولا اخر".. (بعد أن كان قبل ذلك قد نعت أساليب المقاومة والعمليات الفدائية الفلسطينية بـ"الحقيرة".. والصواريخ الفلسطينية محلية الصنع بـ"العبثية").. وأما "عزام الأحمد" فقال "بأن أزمة الغذاء في غزة أكذوبة كبرى.. وزاد على ذلك بالقول "أتحدى أي شخص أن يقول بأن هناك أزمة غذائية في القطاع"،، وذلك (في حديث لقناة سفن ستارز الفضائية الأردنية ـ ليلة 21 ـ 12 ـ 2008).. وبناء عليه استمر التحريض على ضرورة إنهاء "الحالة الغزية ".. فكان التواطؤ.. فكان أن هددنا "أولمرت" من على شاشة العربية بحرب على غزة لا تبقي ولا تذر.. وبشرتنا ليفني من القاهرة "بقرب نهاية حماس"... وما هي إلا ساعات حتى وقعت الواقعة.. وها هي غزة اليوم تنام وتستفيق على حمم تخسف الأرض بمن عليها.. فيشهق بعضهم "أشهد أن لا إله إلا الله"وبعضهم تتناثر جثثهم أشلاء ممزقة محترقة في الشوارع وبين الأزقة وتحت أنقاض المباني.. مشهد جهنمي استحضر معه الليالي البغدادية حين تسمر العالم أمام فيلم الصدمة والترويع الصهيو - أمريكي في بث حي ومباشر بالأمس من بغداد واليوم من غزة.. فالهدف الذي حدده قادة العدو- وعلى مسمع الأمة والعالم أجمعين هو "اجتثاث حركة حماس".. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف لا ما نع لديهم من تنفيذ حرب إبادة جماعية لكل الغزيين.. بل وكل الفلسطينيين.
إن ما يجري في فلسطين عملية استئصالية جذرية.. قال فيها "سيد المقاومة الشيخ حسن نصر الله" بأننا أمام "تصفية كاملة لكل مرتكزات وأركان القضية الفلسطينية والعنوان الكبير هو حصار غزة والذي يهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني"،، في ظل كل ما تقدم من مؤشرات هل جاءت مذبحة غزة اليوم مفاجأة لأحد؟؟.. لا والله لم تكن كذلك وكل من يدعي ذلك كاذب بل شريك ومتواطؤ بامتياز.
إن أسوأ ما في هذه المجزرة أنها تنفذ على مذبح الانتخابات الصهيونية.. ونرجسية النظام العربي الرسمي،، أمام هذا الحال من الخزي والإذلال وهدر الكرامة.. وأمام حالة الإلغاء والإقصاء والموات.. وأمام بحر الدماء والأشلاء.. باتت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.. بل الانتفاضة العربية ضرورة استراتيجية.. ها هي بشائرها تلوح في الأفق من خلال الحالة الجماهيرية غير المسبوقة..
فهل بوسع النظام العربي الالتفات إلى الموقف الشعبي العربي المتحرك بل المتفجر؟ وهل بإمكانه التقاط الرسائل القوية الصادرة عن الشارع العربي من كل عاصمة ومدينة وقرية ومخيم وحي على امتداد هذه الجغرافيا البشرية؟؟ فإذا كان النظام العربي قد التفت لذلك كله فليبادر إلى إلغاء جميع الاتفاقيات والمعاهدات مع العدو الصهيوني وتطهير عواصمنا من دنس سفراء العدو وسفاراته وممثلياته ووقف كافة أشكال التنسيق والتعاون مع هذا العدو ودعم صمود الشعب الفلسطيني.. ووقف العدوان.. وإنهاء الحصار ولتفتح الحدود والمعابر فوراً وإلى الأبد.
هناك على أرض غزة يولد فجر جديد يمكن لأمتنا اليوم أن تستعيد ذاتها وحضورها ودورها،، ومن هناك يمكنها أن تبادر إلى وقف حالة الانحدار والتفكك المستمر.
ومن هناك تعلن عن حقيقتها وهويتها وأصالتها وشخصيتها غير القابلة للترويض أو الانحناء إلا لله الواحد الأحد.