نقلا عن جريدة صوت العروبة
لو بحثت في تشريعات وقوانين دول العالم لما فاتك أن تجد بعض العجائب، فبعض تلك التشريعات تبدو غريبة، خذ أمثلة على ذلك:
في ولاية نبراسكا الأمريكية، يمنع القانون الحلاقين من أكل الثوم ابتداء من السابعة صباحا حتى السابعة مساء، كما يعتبر التجشوء في قاعة الكنيسة خرقا يعاقب عليه القانون، وفي ولاية مونتانا، تمنع النساء العزباوات من الذهاب وحيدات إلى رحلات الصيد مطلقا، أما المتزوجات فيسمح لهن بذلك عدا أيام العطل الرسمية، أما ولاية ألباما، فإن قانونها يجيز للمطلقة استرجاع جميع حاجياتها من بيت الزوجية، ولا يسمح ذلك بالنسبة للمطلق.
أما في الصين – بلد المليار ونصف نسمه - يمنع القانون الأسرة من إنجاب أكثر من طفل، وفي حال المخالفة ترصد ضريبة إضافية على الأسرة، وفي فرنسا، يعتبر التقبيل في محطات القطار مخالفة قانونية، أما في كندا، يمنع طلاء الأدراج (السلالم) حتى لا تكون زلقة في حال البلل، وفي كندا كذلك لايسمح بوضع عبارة " للبيع" على أي سيارة متحركة في الشارع، أما في الدنمارك فالقانون يلزم السواق التحقق من سلامة مكابح ومصابيح السيارة قبل تشغيلها، وفي الدنمارك كذلك، يلزم القانون وضع علامة مثلث أحمر على السيارة إذا توقفت لعطل ما واضطر صاحبها لتركها على طرف الشارع، أما في ألمانيا، فإن قانون البناء يلزم بعمل فتحة تطل على السماء في كل المكاتب المخصصة للعمل !
قد تبدو بعض هذه النماذج من القوانين غريبة، قد نعي حكمة بعضها، وقد لا نعي حكمة البعض الآخر منها، إلا أن المتأمل في بعض هذه القوانين لا يعجز عن إيجاد رابط أو جذر ما للقانون المشرع وواقع المشكلة أو المجتمع الصادر منه، فعلى سبيل المثال، منع العزباوات في ولاية مونتانا من الذهاب لرحلات الصيد يعود لارتفاع احتمال حالات الاعتداء الجسدي التي من الممكن أن يتعرض لها تلك النسوة، وتأتي هذه المبادرة لكبح حالات الاغتصاب المتعددة، وفي الصين اضطرت الحكومة لتحديد النسل عن طريق الضرائب للحد من ظاهرة التضخم السكاني الرهيبة، أما منع كلمة " للبيع" على السيارات المتحركة في كندا، فالواضح أن الإحصاءات أثبتت حصول العديد من الحوادث المرورية جراء انشغال السائقين بمتابعة رقم الهاتف للسؤال عن سعر السيارة!.، وفي فرنسا، يمنع التقبيل في ميترو الأنفاق لأنها أصبحت ظاهرة للفساد الأخلاقي.
فالواضح إذن أن هناك رابط ما بين القوانين وحالات المجتمع نفسه، وتعتبر عمليات الإحصاء مستندا أساسيا في إجراءات التقنين في المجتمعات المتقدمة، فالهدف في النهاية من وضع القانون هو حماية الناس، أو تسهيل حياتهم، فإذا ما أثبتت الإحصاءات زيادة أو نقصانا في ظاهرة ما، عد ذلك سندا كافيا للتشريع.
أما في عالمنا العربي، تعتبر عمليات الإحصاء ترفا معرفيا يتداوله المثقفون فقط، أو تستعرضه الصحف والمجلات بدافع الثقافة العامة، وقلما تستعمل تلك المعلومات في تصحيح وضع، أو سن قانون، أو ترشيد سلوك ما... كيفما كان.
في البحرين على سبيل المثال، تشير الإحصاءات المتعددة التي يقوم بها مركز أبحاث الطرق أو الإدارة العامة للمرور إلى ازدياد كبير في عدد الحوادث المرورية، إذ تشير بعض تلك الأرقام أن عدد قتلى حوادث المرور للأعوام الثلاثة الماضية بلغ 228 شخصا، وبلغ عدد الإصابات الخطيرة قرابة العشرة آلاف مصابا (9805)، أما عدد المخالفات المرورية في عام 2004 فقط، فقد تجاوز المائة ألف مخالفة (111382)، كان عدد المخالفات فيها بسبب تعاطي المسكرات 290 مخالفة، وحسب تصريح وزير الداخلية، تسببت المسكرات في 35 حادثا بليغا، وانتهت تلك الحوادث بمقتل 6 أشخاص، وكان أكبر نسبة تورط في الحوادث من بين جميع الجنسيات هم السعوديون!.
إن هذه النتائج الإحصائية تستلزم الوقوف ومراجعة الأسباب، ويجب أن يأتي من ضمن أجندة تلك المراجعة الوقوف على كفاءة قانون العقوبات الخاص بالمرور، وفي هذا الإطار لو راجعنا المرسوم بقانون رقم (9) لسنة 1979 المعروف بقانون المرور، لوجدنا أن مواد الباب الثامن من القانون المعنونة بالعقوبات لا تعاقب الجاني - إذا ثبت أنه ارتكب جريمة قتل وهو في حالة سكر- لأكثر من ستة أشهر حبس و غرامة لاتزيد عن مئة دينار!، وتأتي المادة رقم 81 من نفس القانون لتضيف شيئا من التشدد لا يصل في حده الأقصى عن الحبس لمدة لا تزيد عن سنة وغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار!.
هذا على مستوى البحرين، أما على مستوى العالم العربي، وفي مصر تحديدا، يكشف الإحصاء الذي قام به المجلس القومي للسكان في عام 1995، أن امرأة واحدة من بين كل ثلاث مصريات متزوجات قد تعرضت للضرب مرة واحدة على الأقل، أي بحسابات رياضية بسيطة وعلى افتراض أن العدد الكلي للسكان في مصر هو ستين مليون نسمة، فإن ما يقرب من سبعة ملايين امرأة متزوجة على الأقل في مصر قد تعرضت للضرب على يد زوجها، ولو خيل لنا عمل مشهد درامي لهذا الرقم الهائل لما كان لنا إلا تصور مشهد رهيب من مشاهد التعذيب الخيالية في العصور الوسطى أو حتى العصور الهمجية !
في المقابل ماذا يذكر قانون العقوبات المصري لمثل هذه الحالات ؟
المادة رقم 60 من قانون العقوبات تنص على التالي:
" لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة"
والحق المقرر هنا المقصود به حق ضرب الزوجة من قبل الزوج !، وتفسر سلامة النية هنا بتوافر الشروط التالية أثناء عملية الضرب:
إذا لم يكن الضرب شديدا.
إذا لم يكن الضرب موجها للوجه.
إذا لم يكن الضرب موجها لمناطق الضربات القاتلة.
والغريب أن هذه المادة بتفسيرها لمعنى (سلامة النية) شرعت لعمليات ضرب النساء في مصر، ولا تكاد المرأة تجد مفرا من ظلامة زوجها، بل أن الكثير من النساء المصريات اعتدن تقبل العنف، واعتبره البعض منهن جزء من حقوق أزواجهن!
أما في الأردن، فتعد جرائم الشرف الآخذة بالانتشار مأساة إنسانية وتشريعية بكل ما للكلمة من معنى، ويعود انتشار هذه الظاهرة إلى طبيعة المجتمع القبلية وكذلك إلى الإجراءات المخففة بحق من يرتكب هذه الجرائم، فحسب المادة رقم 340 من قانون العقوبات يخفف الحكم على من يقتل إحدى قريباته لممارستها فعلاً جنسياً غير شرعي، كما تنص المادة رقم 98 من نفس القانون، على تخفيف الحكم على من يرتكب جريمة بصورة غضب شديدة، الأمر الذي استعمل في كثير من الأحيان لإخلاء سبيل من ارتكبوا تلك الجرائم، حيث ساهمت هذه المادة في تبرير الأفعال الشنيعة الناتجة عن الغضب، وكأنها سنت لقانون الغاب، وبررت للجوانب الوحشية في الإنسان من أن تجد لها متسعا، وماذا كانت النتيجة ؟
أعمال قتل بشعة لمجرد الشبهة، وتوقد للنزعة الهمجية في الإنسان، وعودة بالمجتمع إلى عصور الفوضى. وعلى غرار هذه النماذج، ستجد ما يماثلها في باكستان وسوريا والعراق وغيرها من الدول.
وهنا نتساءل ؟ ... هل تستطيع مثل هذه المواد القانونية ردع المستهترين بأرواح الناس؟ وهل تكفل مثل هذه القوانين حماية المجتمع من أمثال هؤلاء!
في البحرين، هل تساوي حياة عائلة تفقد حياتها فجأة على يد سكران عابث ما قيمته مائة دينار فقط!، وهل تستطيع الستة أشهر منع هؤلاء القتلة عن قيادة السيارات وهم سكارى!.
هل يستطيع قانون المرور حماية المجتمع بعقوبات احترازية كهذه، وهل استفادت إدارة المرور من الإحصاءات التي ما فتئت تصدرها كل سنة وبين حين وآخر؟
وفي مصر، ألم تتسبب مواد الضرب بسلامة النية في ازدياد حالات العنف؟ أو ليس لذلك أثر ما في تفكك الروابط الأسرية وتدهور الأسر؟ وعلى نفس النمط في الأردن وسوريا، كم نفسا بريئة قتلت لمجرد الشبهة ؟، وهل يحق للمجتمع تخويل جهات غير قضائية بأخذ القصاص دونما وازع؟
إن القانون في أي مجتمع لا يمكن أن يحميه إلا إذا كان صادرا من واقع المجتمع نفسه، ومتوائما مع حالات الخطر أو الخرق فيه، فحاجز المائة دينار في قانون المرور في البحرين ثبت أنه لا يمنع التهور وقتل الناس الأبرياء، وعليه لا بد من تعديل المادة، والاستفادة من الإحصاءات في مجال الطرق لتشديد القيد على مثل هذه الخروقات، أو لبحث بديل آخر، قد تفي المئة دينار في الهند مثلا إذا ما قورنت بالمستوى المادي العام هناك، ولكنها ليست بالضرورة تفي في باقي البلدان، فلكل بلد مستوى معرفي وأخلاقي ومادي مختلف، وهو ما يحدد الأطر العامة لدرجة التشدد في القوانين، ولعل بعض البلدان والشعوب قد وصلت لمستوى وعي راق لا تحتاج فيه لأي قوانين احترازية كهذه. وعلى نفس النمط، في الأردن وسوريا وباكستان وغيرها، من الواضح أن الطبيعة القبلية، والنزعة الذكورية في المجتمع ساهمت بشكل كبير في تضخم ظاهرة جرائم الشرف، فمن الواجب في مثل هذه الحالة سن قوانين أكثر تشددا لمنع مثل هذه الحالات المتجاوزة للقانون، والمقوضة لاستقرار المجتمع.
وفي حال لم تتوافق القوانين وواقع المجتمع الصادرة منه، فلا نفع يرجى من تلك التشريعات، بل أنها في بعض الأحيان قد تتسبب في ازدياد نسبة الخروقات، ولن تكون حينها إلا قوانين صورية، غبية، تضر أكثر مما تنفع.