العالم العربي الاول في التخلف
كشف التقرير العام للامم المتحدة للتنمية الانسانية لعام 2002 عن ان العالم العربي الذي يشمل 280 مليونا، يعاني من التخلف. نسبة الامية والبطالة من اعلى النسب في العالم، المرأة والحريات في ادنى السلم، الدين لا يبشر بوضعه من جديد في مقدمة الشعوب.
كشف التقرير العام للامم المتحدة للتنمية الانسانية لعام 2002، الذي نشره الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في شهر تموز (يوليو) الماضي، بان العالم العربي الذي يضم 280 مليون نسمة يعاني من التخلف بكل ما يتعلق بالتنمية الانسانية، قياسا لدول العالم الاخرى. ويعتبر هذا التقرير شاملا خلافا للتقارير السابقة، اذ انه فحص موقف المجتمعات العربية من وسائل الاعلام، الاتصالات والانترنت، التلوث، الثقافة، وضع المرأة، التعليم والحريات عموما.
المثير ان الذين اعدوا التقرير هم نخبة من الخبراء والاكاديميين من عدة دول عربية باشراف الدكتورة ريما خلف هنيدي، وزيرة سابقة في الحكومة الاردنية ومديرة المكتب الاقليمي للدول العربية في برنامج التنمية للامم المتحدة. وكان هدف التقرير كما تقول الدكتورة خلف لصحيفة "الشرق الاوسط" (2 تموز): "ان التقرير محاولة جادة ونظرة موضوعية للذات من قبل مفكرين عرب، هدفوا للنهوض بالحقوق الانسانية في المجتمعات العربية وتحسين مستوى الرفاه الانساني لكامل المجتمع. هدف التقرير هو الافادة وليس التصادم".
الديمقراطية بعيدة المنال
يبين التقرير ان "العالم العربي يعاني من انعدام الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل لا مثيل له في العالم كله. المواطن العربي يتمتع بخمس الحرية التي يتمتع بها مواطن اوروبي وشمال امريكي، وبنصف الحرية التي يتمتع بها المواطنون في افريقيا. ليس للمواطنين في العالم العربي تأثير على حكوماتهم وانظمتهم".
"حرية الانسان واحترامه" حظيت بمكانة هامة في التقرير: "الحرية الكاملة وليس نسبة دخل الفرد، هي التي تعطي الانسان القوة من اجل التقدم والتطور". ان النقص في الحريات يضعف التنمية الانسانية، ويشكل احد ابرز مظاهر تخلف التنمية السياسية. يحدد التقرير ان "حرية المجتمع تقاس بحرية الصحافة"، ومن هنا يستنتج ان البلدان العربية تنقصها الحريات تحديدا بسبب غياب حرية التعبير عن الرأي والصحافة الحرة.
الفجوة بين طموح الشعب لقسط اكبر من حرية صنع القرارات وبين سلطة النظام التي احكمت سيطرتها على الدولة من خلال جهازها التنفيذي القوي، ادت الى حالة من النفور واللامبالاة والاستياء في صفوف الشعب.
المرأة العربية في الحضيض
يشير التقرير الى ان المرأة في العالم العربي موجودة في ادنى مكانة في العالم كله، مما يعني ان نصف المجتمع العربي مصاب بالعجز. العالم العربي، حسب التقرير، اكتفى من المرأة بدورها الطبيعي وهو الانجاب. العادات في المجتمع العربي تعزز اللامساواة بين الرجل والمرأة في مختلف نواحي الحياة، مثل المواطنة والحقوق القانونية، والتي تتجلى احيانا في حرمانها من حقها بالتصويت والانتخاب والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية. نسبة النساء في المجالس التشريعية ومجالس الوزراء وفي سوق العمل هي ادنى نسبة في العالم.
اما نسبة الامية بين النساء العربيات فهي الاعلى في العالم، رغم طروء انخفاض على هذه النسبة في بداية التسعينات من 66% الى 50%. اما اذا تطرقنا الى معدل الوفيات اثناء الولادة، فيصل الى ضعف المعدل في امريكا اللاتينية واربعة اضعاف المعدل في شرق آسيا.
المعرفة والتعليم
وتعتبر نسبة الاميين بين البالغين في العالم العربي (ثلثهم من النساء) من الاعلى في العالم. حسب التقرير هناك نحو عشرة ملايين طفل تتراوح اعمارهم بين 6-15 عاما لم يلتحقوا ابدا بالمدارس، واذا لم يعالج هذا الموضوع فحتى عام 2015 سيصل عدد الاطفال العرب الاميين الى 40%.
"سبب ارتفاع نسبة الامية في العالم العربي يكمن في سوء طريقة التعليم والمواد التعليمية وعدم تطويرها، وعدم توفير رأس المال لتطوير آليات وطرق التعليم. تركيبة الاجور والطاقم التعليمي غير سليمة، مما يؤدي الى عدم حماس الطلاب لاكمال تعليمهم وبالتالي تدني الانتاج". ويشير التقرير الى ان "المعرفة العامة متدنية جدا"، والى "عدم الاتفاق على ضرورة تلبية متطلبات العالم الجديد، مما يفسر الكبت الكبير للقدرات النقدية الجديدة".
تدني الانتاج العلمي يفسر سبب تخلف العالم العربي من ناحية الابتكارات التقنية نسبة للعالم كله، كما يؤكد التقرير: "نسبة انتشار اجهزة الحاسوب الشخصية تصل الى 1.2% فقط، ونسبة مستخدمي الانترنت في العالم العربي تصل الى 0.6%. اما الاستثمار في البحث والتطوير فيصل الى 0.5% من الناتج القومي الاجمالي، اي اقل من ربع المتوسط العالمي". الاستثمار السنوي في التربية والتعليم للفرد يصل الى مئة دولار، بالمقارنة مع الف دولار للفرد في الغرب. (في اسرائيل يصل الاستثمار الى اكثر من الف دولار للفرد حسب صحيفة "يديعوت احرونوت"، 12 يوليو). وقد تدنى الاستثمار في التربية والتعليم في العالم العربي من20% في الثمانينات الى 10% عام 2000.
واذا تطرقنا للتعليم العالي، نجد ان غالبية الجامعات لاتتساوى مع المستوى الاكاديمي العالمي. الطلاب الجامعيون يتعلمون بكتب قديمة جدا وبطرق اكل عليها الدهر وشرب. برامج التعليم غير متطورة لذا لا يطمح احد للامتياز، بل للهجرة. من هنا فقد بدأ عدد الملتحقين بالجامعات بالهبوط.
علامة اخرى على تدني الحركة الثقافية العامة، نجدها في ان عدد الكتب المترجمة للغة العربية خلال سنة واحدة يقتصر على 300 كتاب، اي خمس ما تترجمه سنويا دولة صغيرة نسبيا مثل اليونان.
العودة للدين
تطرق التقرير بحذر الى دور الدين في المجتمعات العربية، وذكر: "ان الدعوات الدينية حلت محل الدعوات القومية والثورية التي راجت في الثمانينات والتسعينات. التعاليم الاسلامية تدعو المسلمين الى "طاعة اولياء الامور"، واصبحت النصوص الدينية متقدمة على الخبرة والتجارب، وصار الخوف من الفتنة والفوضى يتحكم احيانا بقرارات الحكم وسكوت المحكومين". (صحيفة "الشرق الاوسط" اللندنية، 19 يوليو)
يقول التقرير في نهاية هذا الفصل: "ان كل ذلك لا يبشر بعودة العرب الى ايام عزهم يوم كانوا في مقدمة كل شعوب العالم بعلمائهم وفلكييهم وفلاسفتهم، بل ان المجتمعات العربية مهددة بملايين الشبان غير المتخصصين في العلوم الحديثة وعاجزين عن تغيير مجتمعاتهم بالوسائل الديمقراطية. واذا كان الدين الذي يلجؤون اليه يكسبهم احتراما ذاتيا، فان انسداد آفاق العمل والمعرفة والحرية يدفعهم الى مناصبة الغرب العداء".
فقر وبطالة
العالم العربي هو الاكثر ثراء في العالم، الا انه الاقل تنمية. مع هذا يورد التقرير ان معدل نمو دخل الفرد العربي خلال العقدين الماضيين هو الاقل في العالم، باستثناء افريقيا - جنوب الصحراء. واذا استمر هذا الحال، فسيكون المواطن العربي بحاجة الى 140 عاما ليضاعف دخله. ان الناتج الاجمالي للعالم العربي في عام 1999 بلغ 531.2 مليار دولار امريكي، اي اقل من الناتج الاجمالي لاي دولة اوروبية متوسطة النمو مثل اسبانيا.
زيادة فرص العمل في بعض الدول العربية لم تكف لمواكبة زيادة اليد العاملة، حيث يدخل كل عام الى سوق العمل ستة ملايين عامل جديد، وتعتبر هذه النسبة الاعلى في العالم. كما تعتبر البطالة في العالم العربي التي تصل اليوم الى 15% من اعلى النسب، ويعتقد انها سترتفع الى 25% بعد عشر سنوات بسبب عدم توسيع سوق العمل لاستيعاب الايدي العاملة.
الصراع العربي اليهودي والتنمية الانسانية
احدث التقرير ضجة كبيرة في الشارع العربي، وعقدت ندوات بين المفكرين والباحثين لتلخيص النتائج المخزية، وكتبت حوله مقالات عديدة في الصحف والمجلات العربية العالمية. واتهم جزء من الباحثين العرب التقرير بانه ليس عادلا، لانه لم يأخذ بالحسبان الصراع العربي الاسرائيلي الذي يؤثر على المنطقة بشكل سلبي. والواقع ان التقرير لم يغفل قضية الصراع العربي الاسرائيلي، بل اشار الى تأثيراته السلبية على امن وتقدم المنطقة، واكد ان النفقات العسكرية تأتي على حساب برامج التنمية وتربك الاولويات الوطنية.
الصحافي باسم الجسر كتب في صحيفة "الشرق الاوسط" (10 يوليو): "من الصعب على الانسان العربي بل على الضمير العربي تكريس تفكيره وجهوده للدفاع عن الحريات وتجهيز مجتمعاته بالكمبيوتر وتحرير المرأة، في الوقت الذي تدمر فيه الدبابات الاسرائيلية المدن الفلسطينية وتغتال قيادات الشعب الفلسطيني وتمزق الضمير العربي".
رد فعل اكثر واقعية جاء من فاروق البربير، رئيس تحرير مجلة "تاريخ العرب والعالم"، ووزير لبناني سابق، الذي كتب في "الشرق الاوسط" (13 يوليو): "لا نريد تبرئة الانظمة والحكومات العربية من مسؤولياتها، بما في ذلك مسؤولياتها عن وجوه التخلف في العالم العربي، ولا حتى في تحميل الولايات المتحدة بالذات مسؤولية هذا التخلف لدعمها وتغطيتها للعديد من الحكومات العربية".