نقلا عن شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)
يتحدث العاملون في القطاع الإنساني في دارفور في معظم الأحيان عن هجمات المتمردين وضرورة حماية المدنيين، ولكنهم عندما يُسألون عن موضوع العنف الجنسي ضد الفتيات والنساء بالتحديد فإنهم يختارون الصمت.
وقال العديد من موظفي المنظمات غير الحكومية في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بشرط عدم الإفصاح عن هوياتهم، أن العنف الجنسي والعنف ضد النساء منتشر جداً في الإقليم. وقال أحدهم أن العنف الجنسي ربما يكون "الخطر الأمني الأكبر الذي تواجهه النساء [في دارفور]".
وفي شهر أبريل/نيسان 2007، طالبت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لويز أربور، بإجراء تحقيق حول انتشار العنف الجنسي بعد الهجمات التي قادتها القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها والتي حدثت خلالها 15 حالة اعتداء جنسي بما فيها الاغتصاب.
وتضطر النساء والفتيات في دارفور للمشي مسافات طويلة، بدون مرافق في معظم الأحيان، للبحث عن الحطب أو القش أو الماء لأسرهن، وفي مثل هذه الرحلات تحدث الهجمات. ويتم وصف المعتدين فقط على أنهم أشخاص يرتدون الملابس النظامية، مما يعني أنهم قد يكونوا من القوات الحكومية أو من الشرطة أو من فصائل المتمردين والميليشيات الناشطة في المنطقة.
وفي بعض الحالات النادرة التي قامت فيها منظمة غير حكومية بالحديث عن العنف الجنسي وتوثيقه، كانت الحكومة ترد بإنكار وقوع مثل تلك الحوادث.
وقال أحد موظفي الحماية بالأمم المتحدة بالخرطوم: "عادة ما يطلب منا مسؤولو الحكومة تسمية الضحايا المزعومين، ولكننا لا نستطيع فعل ذلك فيقولون أننا لا نستطيع تقديم الدليل ويستمرون في النكران".
وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد أشار في مقابلة على قناة "إن بي سي" في شهر مايو/ايار 2007 إلى أن "الاغتصاب ليس جزءاً من ثقافة السودان ولا ثقافة دارفور. إنه غير موجود".
كما أنكرت مجموعات المتمردين العاملة في دارفور المزاعم التي تقول بأن جنودها طرف في الهجمات الجنسية على الفتيات والنساء، وألقوا باللوم على الميليشيات التابعة للحكومة، الجنجويد، لاستعمالها الاغتصاب كسلاح في دارفور.
ولا توجد منظمة غير حكومية في الفاشر مستعدة لمناقشة الموضوع بشكل مفتوح إذ يتم التعامل مع الهجمات الجنسية في المستشفيات والعيادات ولا يتم التبليغ عنها للسلطات.
لا نعلم ما الذي سيشعل رد السلطات. الصمت ومواصلة العمل أفضل من الكلام والإبعاد عن البلاد
ويبدو أن العاملين في مجال العنف الجنسي "يشعرون بالرعب لحد الموت" للكلام عن الموضوع، حسب موظفة في الأمم المتحدة حيث قالت: "لا نعلم ما الذي سيشعل رد السلطات. الصمت ومواصلة العمل أفضل من الكلام والإبعاد عن البلاد".
ولا يعتبر إنكار الحكومة السبب الوحيد لإبقاء الصمت المحيط بالعنف الجنسي. فالكلام عن الاغتصاب من المحرمات الثقافية وضحاياه عادة ما يجلبون العار لأسرهم في هذا المجتمع.
ولكن للصمت ثمنه أيضاً، فالنساء والفتيات في دارفور يترددن في التبليغ عن الاغتصاب لدرجة أنهن إذا أصبن بجروح خطيرة لا يلجأن إلى المساعدة الطبية. كما يعني ذلك أنهن لا يحصلن على العناية الطبية اللازمة بعد التعرض للاغتصاب والتي تمكنهن من الوقاية من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة. وبالرغم من كل هذا، تحاول المنظمات الموجودة في المنطقة إيجاد طرق جديدة للوصول إليهن.
العمل بصمت
وقال طبيب محلي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قسم أخبار الإيدز: "عملنا هو أن نعالج المرضى الذين يأتون إلينا. لقد تعلمنا أنه ليس من صالحنا ولا صالح الضحايا التبليغ عن عدد الضحايا...إننا نقوم بإعطائهن المشورة وتبليغهن بحقوقهن حسب القانون ونعالج جروحهن ثم نرسلهن إلى بيوتهن. وما يلي ذلك شأنهن [فقط]".
كما تعمل العديد من المنظمات غير الحكومية ومنظمات الأمم المتحدة في مجال العنف الجنسي والعنف ضد المرأة. وتشرف منظمة الإغاثة الدولية Relief International ، وهي منظمة إنسانية غير ربحية تقدم المساعدات الإغاثية خلال الطوارئ ولجنة الإنقاذ الدولية International Rescue Committee، وهي أيضاً منظمة غير ربحية تعمل مع اللاجئين وضحايا النزاعات المسلحة، على العديد من المراكز الصحية الأولية في ولاية شمال دارفور.
وتتلقى القابلات المدربات من قبل منظمة الإغاثة الدولية تدريباً حول كيفية التعامل الإكلينيكي مع العنف ضد النساء وخياطة الجروح. كما قامت منظمة الإغاثة الدولية بتبسيط وترجمة بروتوكولات منظمة الصحة العالمية الخاصة بإدارة العنف ضد المرأة إلى اللغة العربية حتى تتمكن القابلات من الاطلاع عليها.
بالإضافة إلى ذلك، تتأكد الشرطة المدنية التابعة للأمم المتحدة من شمولية توزيع نشرات منظمة الإغاثة الدولية التي تحوي معلومات مبدئية حول الخطوات التي يجب على المرأة اتخاذها في حالة تعرضها لهجوم جنسي.
ويوجد لدى بعثة الإتحاد الإفريقي بالسودان المتمركزة بدارفور وحدة خاصة بالعنف ضد المرأة تقوم بتدريب رجال الشرطة على كيفية التعامل مع حالات الاغتصاب بما في ذلك الخطوات القانونية التي يمكن للمرأة أن تتخذها ضمن القانون السوداني. ومع أن القليل من النساء فقط يخترن اللجوء إلى القضاء لمحاكمة المعتدين عليهن، ولكن الجميع يأمل في أن تصبح ثقافة التبليغ جزء من الثقافة المحلية.
وتقوم العديد من المنظمات بما فيها مؤسسة الإسكان التعاوني CHF International الموجودة بالولايات المتحدة ومنظمة الإغاثة الدولية بحث النساء على استعمال المواقد التي تعمل بالوقود والتي لا تفيد البيئة فقط بل تجعلهن يقمن برحلات أقل للبحث عن الخشب وتقلل من احتمال تعرضهن للإساءة الجنسية.
وبالرغم من أن المنظمات تلقى بعض النجاح في معالجة آثار هذه الهجمات والحيلولة دون حدوثها، إلا أن العاملين في قطاع الصحة في الإقليم يقولون أن هناك حاجة لاعتراف الحكومة بمشكلة العنف الجنسي حتى تتمكن من التعامل معه بفعالية أكبر.